نظرت فى عينيها فأحسست وكأن الدمع بحوراً تجرى على خديها ،
شعرت النار بجنبيها ،
سمعت الأنين دون أن تنطق منقوشاً على شفتيها ،
رأيت ابتسامتها الشاحبة التى يتستر خلفها حزن عميق يتسلق فى رشاقة وخفة درجات أحلامها
وهى تسير عند احتضار الشمس ودمها المسفوح يتقطر بين كومات السحاب
فى طريق على جانبيه بذور الأشجان وقد نمت وصارت أشجاراً سوداء
تلقى بظلالها القاتمة على الطريق لتتكاتف مع الغيوم التى تملئ السماء ،
وهذا الضباب الذى يحوم حولها ليمنح حياتها مزيداً من الخوف والرهبة والغموض ،
لا تعرف شمالاً من جنوب فتغرق فى بحر الظلمات
و يأسرها سواد الليل بقسوته وسطوة صمته الرهيب .
تتقدم فى بطء وعيناها تدوران تائهتين بجمود يطل منه بريقاً خافتاً يكاد أن يموت ،
بريقاً تتردد فيه لهفة مكتومة لا تستطيع التعبير عنها ،
تريد أن تصرخ ولكن يبدو وكأنها نست الأحرف ،
فقط تسير وتسير وكلما توهمت أنها قاربت نهاية الطريق
لاحت لها آفاقه من بعيد فتواصل سيرها من جديد .
إنها الورقاء التى رأيتها تحُط مهرولة على عش صغير بين أغصان الشجرة القريبة من نافذتى ،
تتلفت يميناً ويساراً ،
تأتى وتذهب ،
تتخبط ..
يبدو على ملامحها هول صدمة عنيفة .
أحُس بها وهواء الشتاء البارد يجلدها بلا رحمة
وقلبها ينتفض ويرتجف بين ضلوعها ،
اسمع أنين وبكاء دقاته التائهة وكأنها تتردد فى صدرى .
كانت تنزف فى ثبات ويتقطر دمها فى كبرياء
حتى أحالت قش عشها إلى ذلك اللون الأحمر القانى
واستحال لونها إلى صفرة الموت ،
بدت كمن يحتضر فكانت تغيب عن وعيها وتتقارب أجفانها للحظات
ولكنها كانت تفيق وسرعان ما تسقط فى ظلمات الألم ويلفحها لهيب العذاب من جديد .
وبصرته من بعيد خياله يقترب من الشجرة يتلاعب ببندقيته اللعينة ..
والآن فقط فهمت ما جرى ،
إنه صياد قدير ابتسم لها وتقرب منها ،
وكانت وحيدة تحس بفراغ الحياة الذى لم يملأه كل هذا الضجيج والصخب الذى يطوف جنبات الكون ،
شعرت بحنانه وعطفه ،
وغمرها أنسه ولطفه
اطمأن قلبها بقربه وتحدثت جوارحها بحبه ،
فسلمت عيناها لعينيه ووضعت قلبها بين ذراعيه
وأصبح عشها كفيه ووسادتها أجفانه .
بين يديه نست الدقائق واللحظات ،
غنت وتمايلت كالفراشات ونست ما مر بها من دموع وآهات .
ومرت اللحظات وهى تدور فى علياء خيالها
تبنى قصوراً من الأحلام وصروحاً من الآمال ..
وفى غفلتها امتدت يده نحو بندقيته فى بطء شديد ....
...............
أحست بالغدر يطل من عينيه
فارتعدت وانتفضت ورفرفت بجناحيها الرقيقين لتبتعد ..
لكنه كان أسرع فأطلق رصاصته التى أصابتها
لكنها رفرفت وأخذت تبتعد حتى وصلت لعشها أمام نافذتى ،
إنها تلفظ أنفاسها الأخيرة وتموت لأنها أحبت ،
أحبت من أخفى براثن الثعبان فى ثياب إنسان
ويا ليتها وعت القول المأثور إذ يقول :
إياك والحب فالهوى سهم إن لم يقتلك أصابك جرح غائرُ .
الجمعة أبريل 30, 2010 6:26 pm من طرف Admin