وظائف العشر الأواخر من رمضان
والعيد وما بعده
د.عبدالله بن علي الجعيثن
ها هو شهر رمضان قد اصفرّت شمسه ، وآذنت بالغروب فلم يبق إلا ثلثه الأخير
، فماذا عساك قدمت فيما مضى منه ، وهل أحسنت فيه أو أسأت ، فيا أيها
المحسن المجاهد فيه هل تحس الآن بتعب ما بذلته من الطاعة . ويا أيها
المفرّط الكسول المنغمس في الشهوات هل تجد راحة الكسل والإضاعة وهل بقي لك
طعم الشهوة إلى هذه الساعة .
تفنى اللذاذات ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار
فلنستدرك ما مضى بما بقى ، وما تبقى من ليال أفضل مما مضى ، ولهذا كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا دخل العشر شد مئزره ، وأحيا ليله ،
وأيقظ أهله )) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها . وفي رواية مسلم :
( كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره ) وهذا يدل على أهمية
وفضل هذه العشر من وجوه : أحدها : إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت
العشر شد المئزر ، وهذا قيل إنه كناية عن الجد والتشمير في العبادة ، وقيل
: كناية عن ترك النساء والاشتغال بهن . وثانيها : أنه صلى الله عليه وسلم
يحي فيها الليل بالذكر والصلاة وقراءة القرآن وسائر القربات . وثالثها :
أنه يوقظ أهله فيها للصلاة والذكر حرصاً على اغتنام هذه الأوقات الفاضلة .
ورابعها : أنه كان يجتهد فيها بالعبادة والطاعة أكثر مما يجتهد فيما سواها
من ليالي الشهر .
وعليه فاغتنم بقية شهرك فيما يقرِّبك إلى ربك ، وبالتزوُّد لآخرتك من خلال قيامك بما يلي :
1- الحرص على إحياء هذه الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والقراءة وسائر
القربات والطاعات ، وإيقاظ الأهل ليقوموا بذلك كما كان صلى الله عليه وسلم
يفعل . قال الثوري : أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل
ويجتهد فيه ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك . وليحرص على أن
يصلي القيام مع الإمام حتى ينصرف ليحصل له قيام ليلة ، يقول النبي صلى
الله عليه وسلم : (( إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ))
رواه أهل السنن وقال الترمذي : حسن صحيح .
2- اجتهد في تحري ليلة القدر في هذه العشر فقد قال الله تعالى :{ لَيْلَةُ
الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }[القدر:3]. ومقدارها بالسنين ثلاث
وثمانون سنة وأربعة أشهر . قال النخعي : العمل فيها خير من العمل في ألف
شهر . وقال صلى الله عليه وسلم (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر
ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه . وقوله صلى الله عليه وسلم [إيماناً]أي
إيماناً بالله وتصديقاً بما رتب على قيامها من الثواب. و[احتساباً] للأجر
والثواب وهذه الليلة في العشر الأواخر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
(تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ) متفق عليه . وهي في
الأوتار أقرب من الأشفاع ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تحروا ليلة
القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ) رواه البخاري . وهي في السبع
الأواخر أقرب , لقوله صلى الله عليه وسلم : ( التمسوها في العشر الأواخر ,
فإن ضعف أحدكم أوعجز فلا يغلبن على السبع البواقي ) رواه مسلم . وأقرب
السبع الأواخر ليلة سبع وعشرين لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال : (
والله إني لأعلم أي ليلة هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين ) رواه مسلم .
وهذه الليلة لا تختص بليلة معينة في جميع الأعوام بل تنتقل في الليالي تبعاً لمشيئة الله وحكمته .
قال ابن حجر عقب حكايته الأقوال في ليلة القدر : وأرجحها كلها أنها في وتر
من العشر الأواخر وأنها تنتقل ...ا.هـ. قال العلماء : الحكمة في إخفاء
ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها , بخلاف ما لو عينت لها ليلة
لاقتصر عليها ...ا.هـ وعليه فاجتهد في قيام هذه العشر جميعاً وكثرة
الأعمال الصالحة فيها وستظفر بها يقيناً بإذن الله عز وجل .
والأجر المرتب على قيامها حاصل لمن علم بها ومن لم يعلم , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط العلم بها في حصول هذا الأجر .
3- احرص على الاعتكاف في هذه العشر . والاعتكاف : لزوم المسجد للتفرغ
لطاعة الله تعالى . وهو من الأمور المشروعة . وقد فعله النبي صلى الله
عليه وسلم وفعله أزواجه من بعده , ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها
قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى
توفاه الله - عز وجل – ثم اعتكف أزواجه من بعده ) ولما ترك الاعتكاف مرة
في رمضان اعتكف في العشر الأول من شوال , كما في حديث عائشة رضي الله عنها
في الصحيحين .
قال الإمام أحمد – رحمه الله - : لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أن
الاعتكاف مسنون والأفضل اعتكاف العشر جميعاً كما كان النبي صلى الله عليه
وسلم يفعل لكن لو اعتكف يوماً أو أقل أو أكثر جاز . قال في الإنصاف : أقله
إذا كان تطوعاً أو نذراً مطلقاً ما يسمى به معتكفاً لابثاً. وقال سماحة
الشيخ ابن باز رحمه الله : وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم .
وينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والاستغفار والقراءة والصلاة والعبادة ,
وأن يحاسب نفسه , وينظر فيما قدم لآخرته , وأن يجتنب ما لا يعنيه من حديث
الدنيا , ويقلل من الخلطة بالخلق . قال ابن رجب : ذهب الإمام أحمد إلى أن
المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس , حتى ولا لتعليم علم وإقراء قرآن , بل
الأفضل له الانفراد بنفسه والتحلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه , وهذا
الاعتكاف هو الخلوة الشرعية ...ا.هـ
أ.هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلـته لكــــــم داعيــــا اللـــــــه أن يوفقكم للعبـــادة في هـــــذه الليـــــــالي ..
ا( وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى )
سورة النجما